الحلقة الثانية
الخيانة الزوجية
إن كثرة الكلام على الإجهاض و إثبات النسب و انتشار اللقطاء و أولاد الزنا من نتاج الحريات المزعومة ، و من لوثة تقليد الغرب و متابعته حذو النعل بالنعل ، و رغم سهولة ارتكاب الفواحش إلا أننا نسمع عن زيادة جرائم الاغتصاب ، و التي تتم في وضح النهار و على مرأى ومسمع من الخلق !! و كأن الحرام السهل ما عاد يشبع الشهوات البهيمية المتأججة ، و هذا نتاج البعد عن منهج الله .
و ماذا يتصور أن ينجم من وراء الأغاني و الرقصات و الأفلام و الموضات الخليعة؟
الاختلاط وثمراته النكدة
إن شيوع الاختلاط في المدارس و الجامعات و أماكن العمل و البيوت بزعم الصداقة البريئة قد أدى إلى انتشار الرذائل والقبائح و زيادة حالات الزواج العرفي و النكاح بدون ولي ، فالمرأة يزوجها الولي ، و الزانية هي التي تزوج نفسها ، بل ساعدت الأعراف الفاسدة و دخول ابن العم و ابن الخال و أخي الزوج و الجار و الصديق على المرأة بمفردها على كثرة صور الخيانة ، فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ، و الحمو الموت.
الإعلام والدور القذر
ولا نغالي لو قلنا : إن نشر الفواحش و القبائح على الملأ من خلال وسائل الإعلام المختلفة ،ومن خلال الأفلام الهابطة وأغاني الفيديو كليب الساقطة الماجنة، والصور الخليعة في الجرائد السيارة وعلى أغلفة المجلات المختلفة، والحط من شأن الأتقياء ، و رفع شأن المتهتكين والمتفحشين مما ساعد على ذلك ، بحيث صار البعض يتباهى بارتكاب الزنا و أصبح الجنس والغريزة أدباً و فناًَ !! و ما ظهرت الفاحشة فى قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ..... (رواه ابن ماجة و الحاكم و صححه الألباني).
و لذلك لا يستغرب انتشار الإيدز و الزهري و السيلان ..وغيرها من الأمراض الفتاكة عقوبة من الله تعالى لمن تساهل في هذه الفاحشة.
من فتوى للشيخ عبد الله الفقيه انقل لكم ما يلي :
ينبغي أولاً ضبط المصطلحات التي نستعملها، حتى نستطيع إنزال الأحكام على ما تتضمنه هذه المصطلحات من معاني فالزنى حرام، والنظر إلى ما حرم الله حرام، وخلوة الرجل بأجنبية عنه حرام، وكذا خلوة المرأة بأجنبي عنها حرام، إلى غير ذلك من المصطلحات الشرعية.
وأما استبدال هذه المصطلحات بمصطلحات أخرى قد ينطوي على محذور ربما تُفطن له وربما لم يتفطن له .
فمصطلح الخيانة الزوجية إن قصد به الزنى فإنه يؤذن بأن الزنى لا يعد جريمة إلاَّ إذا كان خيانة زوجية، فيا ترى ما هو الحكم لو لم يكن متزوجاً؟! وما هو الحكم لو كان برضى زوجته فإنه لا يعد في هذه الحالات خيانة زوجية؟!
وعلى كل، فإننا أردنا التنبيه إلى ضرورة المحافظة على المصطلحات الشرعية، والحذر من استبدالها بمصطلحات أخرى تحتمل حقا وباطلاً.
ولنرجع إلى الإجابة على السؤال فنقول : إن قصد بالخيانة الزوجية الزنى أو ربط علاقات من الزوج مع امرأة أخرى أو العكس فإن ذلك حرام شرعاً، وحرمة الزنى مما هو معلوم من الدين بالضرورة، فقد قال الله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الاسراء:32] والآيات والأحاديث في تحريم الزنا كثيرة .
وأما النظر والخلوة فقد وردت النصوص من القرآن والسنة بتحريمهما من ذلك قوله سبحانه : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)[النور: من الآية30] ووجه نفس الخطاب إلى النساء : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ)[النور: من الآية31] وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يخلون رجل بامرأة إلاّ ومعها ذو محرم " رواه مسلم .
وأما إن قصد بالخيانة الزوجية أن يتزوج الرجل امرأة أخرى زواجاً شرعياً دون علم زوجته الأولى فهذا لا يصح تسميته خيانة، والزوج لم يفعل حراماً، لكن يطالب بما أمره الله عز وجل به من العدل بين الزوجات في القسم والنفقة، كما قال سبحانه : ( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) [النساء:3]
الزنا من أخبث الذنوب
و ما في الزنا من نجاسة و خبث أكثر و أغلظ من سائر الذنوب ما دون الشرك ، و ذلك لأنه يفسد القلب و يضعف توحيده جداً ، و لهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركاً ، و قال الذهبي : النظرة بشهوة إلى المرأة و الأمرد زنا ، و لأجل ذلك بالغ الصالحون في الإعراض عن المردان ( الشاب الوسيم الذى لم تنبت له لحية ) و عن النظر إليهم و عن مخالطتهم و مجالستهم و كان يقال : لا يبيتن رجل مع أمرد في مكان واحد ، و حرم بعض العلماء الخلوة مع الأمرد في بيت أو حانوت أو حمام قياساً على المرأة ، لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما . و فى المردان من يفوق النساء بحسنه فالفتنة به أعظم ...... اهـ
و الشذوذات التي تزكم الأنوف كثيرة ، بل بلغت الوقاحة و الجرأة بالبعض مبلغاً جعلته يطالب بإباحة اللواط و السحاق. و كان عمر بن عبد العزيز يقول : لا يخلون رجل بامرأة و إن كان يحفظها القرآن ، فلا يعتد بالنوايا الطيبة فمعظم النار من مستصغر الشرر ، ولابد في هذا وغيره من صحة العمل . و قد نهى الإسلام عن كل أنواع الزنا ، سراً كان أو جهراً و سواء كان احترافاً أو مجرد نزوة عابرة من حرة أو من أمة ، من مسلمة أو غير مسلمة ، كما نهى أيضاً عن الخطوات التي تسبقه و تؤدي إليه من نحو المخادنة و المصادقة ، و حرم الخضوع بالقول و سفر المرأة بدون محرم وغير ذلك من الأمور التي شرعها الإسلام لصيان الأعراض والأفراد والمجتمعات من هذه الجريمة النكراء.
تعريف الزنا وحكمه
تعريف الزِّنى: هو وطءُ الرَّجلِ للمرأة التي لا تَحِلُّ له .
وقيل :
الزنا هو وطء المرأة من غير عقد شرعي ، والمعنى واحد
و هو من الكبائر باتفاق العلماء ،
الزنا من أعظم الحرام وأكبر الكبائر ، وقد توعد الله المشركين والقتلة بغير حق والزناة بمضاعفة العذاب يوم القيامة والخلود فيه صاغرين مهانين لعظم جريمتهم وقبح فعلهم ، كما
قال الله تعالى: ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الإسراء:32).
و قال سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) (الفرقان:68).
و قال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (النور:2) .
و قد بدأت الآية بالزانية قبل الزاني لأن الزنى من المرأة أفحش .
فعلى من وقع في شيء من ذلك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى التوبة النصوح ، واتباع ذلك بالإيمان الصادق والعمل الصالح ، وتكون التوبة نصوحا إذا ما أقلع التائب من الذنب ، وندم على ما مضى من ذلك ، وعزم عزما صادقا على أن لا يعود في ذلك ، خوفا من الله سبحانه ، وتعظيما له ، ورجاء ثوابه ، وحذر عقابه ، قال الله تعالى ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحذر هذه الفاحشة العظيمة ووسائلها غاية الحذر ، وأن يبادر بالتوبة الصادقة مما سلف من ذلك ، والله يتوب على التائبين الصادقين ويغفر لهم .